شهد العقد الأخير اهتمامًا متزايدًا بالأطر الإقليمية والثنائية لتنظيم الهجرة والإقامة؛ إذ لاحظ عدد من الباحثين أن القسم الأكبر من ظاهرة الهجرة في دول الجنوب يحدث إما داخل الدول وإما بين الدول المجاورة في الإقليم نفسه. تتناول هذه الدراسة حالة للهجرة تتسم بالخصوصية، وهي الهجرة بين مصر والسودان، وتركز على تساؤل رئيس، هو: لماذا لم تنجح الدولتان في تحقيق نموذج للتكامل وفق النظريتين الكلاسيكية والحديثة، والذي تعد الهجرة البشرية أحد أبعاده، على الرغم من توافر الأسس المادية لذلك؛ أي تكامل الموارد البشرية والطبيعية، وكذا الأسس غير المادية التي تتمثل في الهوية المشتركة التي تجمع شعبيًا البلدين؟ ترى الدراسة أنه على الرغم من وجود هوية مشتركة، وتمتّع المهاجرين السودانيين وشبكاتهم الاجتماعية في مصر ببعض الامتيازات، فضلًا عن أن الأخيرة كانت الملجأ الأساسي لهجرة ملايين من السودانيين، فإن الحساسيات السياسية التاريخية، والسياسات التي تبنتها الحكومات المتعاقبة، والمعوقات البيروقراطية، والتركيبة الاجتماعية السودانية، مثلت كلّها عراقيل أمام تطبيق ترتيبات التكامل الإقليمي التي اتفق عليها البلدان منذ عقود، والتي كان من المفترض أن تضمن حرية الإقامة والتنقل بينهما.